فصل: دمشق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 الجابية

قرية من قرى دمشق بها تل يسمى تل الجابية بها حيات صغار نحو الشبر كثيرة النكاية يسمونها أم الصويت لأنها إذا نهشت صوت اللديغ صوتاً خفياً ومات لوقته وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أرواح المؤمنين بالجابية بأرض الشام وأرواح الكفار ببرهوت بأرض حضرموت وقد مر ذكرها في حضرموت‏.‏

 جاشك

جزيرة آهلة بقرب جزيرة قيس لأهلها جلادة وخبرة في حرب البحر وعلاج السفن جلادة ليس لغيرهم مثلها حتى إن الواحد منهم يسبح في الماء أياماً ويجالد بالسيف مجالدة من هو على الأرض‏.‏

ويقول أهل قيس‏:‏ ان بعض ملوك الهند أهدى إلى بعض الملوك جواري فلما وصل المركب إلى جاشك خرج الجواري يتفسحن فاختطفهن الجن وافترشوهن فولدن الذين بها فلهذا يأتون بما عجز عنه غيرهم‏.‏

 جالطة

جزيرة على مرسى طبرقة من أرض افريقية طولها ثمانية أميال وعرضها خمسة أميال‏.‏

بها ثلاث أعين عذبة الماء وبها مزارع وآثار قديمة‏.‏

وبها من الايل ما لا يحصى‏.‏

حدثني الفقيه سليمان الملتاني أن بها عنزاً كثيرة إنسية توحشت إذا قصدها قاصد أهوت نفسها من جبال شاهقة ووقفت على قوائمها بخلاف الايل فإنها تقف على قرونها‏.‏

 جزيرة تنيس

جزيرة قريبة من البر بين فرماء ودمياط في وسط بحيرة منفردة عن البحر الأعظم بينها وبين البحر الأعظم بر مستطيل وهو جزيرة بين البحرين وأول هذا البر قرب الفرماء‏.‏

وهناك فوهة يدخل منها ماء البحر الأعظم إلى بحر تنيس في موضع يقال له القرباج وهو يحول بين البحر الأعظم وبحيرة تنيس‏.‏

يسار في ذلك البر ثلاثة أيام إلى قرب دمياط وهناك فوهة أخرى تأخذ الماء من البحر الأعظم إلى بحيرة تنيس وبقرب تلك الفوهة النيل ينصب إلى بحيرة تنيس والبحيرة مقدار إبلاغ يوم في عرض نصف يوم ويكون ماؤها أكثر السنة ملحاً لدخول ماء البحر إليه عند هبوب الشمال فإذا انصرف نيل مصر عند دخول الشتاء وهبوب الرياح الغربية خلت البحيرة وخلا سيف البحر الملح مقدار بريدين وعند ذلك تكامل النيل وغلبت حلاوته ماء البحيرة فصارت البحيرة حلواً‏.‏

فحينئذ تذخر أهل تنيس المياه في صهاريجهم ومصانعهم لشرب سنتهم وهذه صورتها‏:‏ ذكروا انه ليس بجزيرة تنيس شيء من الهوام المؤذية لأن أرضها سبخة شديدة الملوحة وقد صنف في أخبار تنيس كتاب ذكر فيه انها بنيت في سنة ثلاثين ومائتين بطالع الحوت اثنتا عشرة درجة حد الزهرة وشرفها والمشتري فيها وهو صاحب البيت فلذلك كان مجمعاً للصلحاء وخيار الناس قال يوسف بن صبيح‏:‏ رأيت بها خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ولم يملكها أعجمي ولا كافر قط لأن الزهرة تدل على الإسلام تجلب منها الثياب النفيسة الملونة والفرش الحسن والثياب الابوقلمون‏.‏

ولها موسم يكون عنده من أنواع الطير ما لا يوجد في موضع آخر وهي مائة ونيف وثلاثون نوعاً‏.‏

أنواع الطيور التي توجد بجزيرة تنيس السلوى البقح المملوح النصطفير الزرزور الباز الرومي الصفري الدبسي البلبل السقاء القمري الفاخت النواج الزريق الهوني الزاغ الهدهد الحسيني الجرادي الابلق الراهب الحساف البرين السلسلة دردراي الشماس البصبص الأخضر الأبهق الأزرق الحضير أبو الحناء أبو كلب أبو دينار وارية الليل برقع أم علي برقع أم حبيب الدوري الزنجي وارية النهار الشامي شقرق صدر النحاس البلطين الخضراء السئة السوداء السئة الأطروش الخرطوم ديك الكرم الضريس الحمراء الرقشة الزرقاء الرقشة جوز الكسر ابن السمان ابن المرعة النوسية السن الوروار الصردة الحمراء الحصية القبرة المطوق السقسق السلار المرغ السكسكة الأرجوحة الخوخة فرد قفص الاورث السلونية السكة البيضاء اللبس العروس الوطواط عصفور الزوب اللقاب الجوين القليلة العسر الأحمر الأزرق الشرير البون البرك البرسي الحصاري الرجاحي البح الحمر الرومي الملاعقي البط الصيني العراق الاقرح البلبو الشطرف البشروش وز الفرط أبو قلمون أبو قير أبو منجل البجع الكركي الغطاس اللجوبة البطميس البحبوبة الرقادة الكروان البحري أبو مسكة الكروان الحرحي القرلي الخروطة الحلف الارميل الفلفوس الازد العقعق البوم الورشان القطا الدراج الحجل البازي الصردي الصقر الهام الغراب الأبهق الباشق ويعرف بها من السمك تسعة وسبعون نوعاً‏:‏ البوري البلمو البرو اللبت البلس السكسا الأران الشموس النسا الطوبار اليقشمار الاحناش الانكليس المعية البني الابليل الفويص الدونيس المرتنو الاسقلموس النفط الجبال البلطي الحجف القلارية الرحض العبر النون اللت القجاج القروص الكليس الأكلس الفراخ القرقاح الزليخ اللاج الاكلت الماضي الجلاء السلاء البرقش الصد البلك المشط القفا السور حوت الحجر البشين الشربوت النساس الرعاد الشعور المحبرة اللبس السطور الراس الريف اللبيس الأبرميس الأبونس اللباء العميان المناقير القلميدس الحلبوة الرقاص القرندس الجتر هوكبارة القبج المجزع الدليس الاشبالة البسال الأبيض الرقروق أم عبيد البلو أم الإنسان الانسارية اللجاه‏.‏

جزيرة الجساسة في بحر القلزم قالوا‏:‏ ان الدجال محبوس في هذه الجزيرة‏.‏

والجساسة دابة تجس الأخبار وتأتي بها الدجال‏.‏

روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت‏:‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة وخطبنا وقال‏:‏ إني لا أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ولكن بحديث حدثنيه تميم الداري فمنعني سروره القائلة‏.‏

حدثني أن نفراً من قومه أقبلوا في البحر فأصابتهم ريح عاصف ألجأتهم إلى جزيرة فإذا هم بدابة قالوا لها‏:‏ ما أنت قالت‏:‏ أنا الجساسة‏!‏ قالوا‏:‏ أخبرينا الخبر‏.‏

قالت‏:‏ إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير فإن فيه رجلاً بالأسواق إليكم‏.‏

قال‏:‏ أتيناه فقال‏:‏ أنى تبعتم فأخبرناه فقال‏:‏ ما فعلت بحيرة طبرية قلنا‏:‏ تدفق بين أجوافها‏.‏

قال‏:‏ ما فعلت نخل عمان قلنا‏:‏ يجتنيها أهلها‏!‏ قال‏:‏ ما فعلت عين زغر قلنا‏:‏ يشرب منها أهلها‏.‏

فقال‏:‏ لو يبست أنفذت من وثاقي فوطئت بقدمي كل منهل إلا مكة والمدينة‏.‏

جزيرة الكنيسة في بحر المغرب قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ على البحر الأسود من ناحية أندلس جبل عليه كنيسة منقورة من الصخر في الجبل وعليها قبة كبيرة وعلى القبة غراب مفرد لا يبرح من أعلى القبة‏.‏

وفي مقابلة الكنيسة مسجد يزوره الناس ويقولون‏:‏ إن الدعاء فيه مستجاب‏.‏

وقد شرط على القسيسين الذين يسكنون تلك الكنيسة ضيافة كل مسلم يقصد ذلك المسجد‏.‏

فكلما وصل أحد إلى ذلك المسجد أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة ويصيح بعدد كل رجل صيحة فيخرج الرهبان بالطعام إلى أهل المسجد ما يكفيهم‏.‏

وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غراباً على تلك الكنيسة ولا يدرون من أين مأكله‏!‏ جفار أرض بين فلسطين ومصر مسير سبعة أيام كلها رمال سائلة نبض فيها قرى ومزارع ونخل كثير‏.‏

وأهلها يعرفون آثار الأقدام في الرمل حتى يعرفون وطء الشباب من الشيخ والرجل من المرأة والبكر من الثيب ومع كثرة بساتينهم لا حاجة لهم إلى النواطير لأن أحدهم لا يقدر أن يعدو على غيره لأن الرجل إذا أنكر شيئاً من بستانه يمشي على آثار القدم ويلحق سارقه ولو سار يوماً أو يومين‏.‏

بها نوع من الطير يأتيهم من بلاد الروم يسمى المرغ يشبه السلوى يأتي في وقت معين يصيدون منها ما شاء الله ويملحونها ويأتيهم أيضاً من بلاد الروم على البحر في وقت من السنة جوارح كثيرة الشواهين والصقور والبواشق‏.‏

وقلما يقدرون على البازي وما سواه يصيدونها وينتفعون بها‏.‏

 جنابة

بليدة على ساحل بحر فارس سيئة الهواء رديئة الماء لا زرع بها ولا ضرع لأن أرضها سبخة وماءها ملح رأيتها ذكروا أنهم إذا أرادوا ماء عذباً بها حفروا حفيرة كبيرة وطموها بالطين الحر يأتون به من غير أرضهم فإذا طموا الحفرة بالطين الحر حفروها بئراً فيها يكون ماؤها طيباً‏.‏

وأهلها لفيف متفرق من الجور والبد والفسق والفجور فيها أظهر من الصلاة والأذان في غيرها‏.‏

ينسب إليها أبو الحسن القرمطي الجنابي خرج إلى البحرين ودعا العرب إلى نحلته فاجتمع عليه خلق كثير وكسر عسكر الخليفة وقتل على فراشه فقام ابنه سليمان وقتل حجاج بيت الله الحرام ونهب على الكعبة وقلع الحجر الأسود ونقله إلى الاحساء وبقي عندهم إحدى وعشرين سنة ثم ردوه بمال عظيم‏.‏

وظهر في أول رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة غلام فاجر يقال له ابن أبي زكرياء الطمامي دعا الناس إلى ربوبيته وذاك الغلام الفاجر يأمر بعبادة النار وقطع يد من أطفأ ناراً أو لسان من أطفأها بالنفخ‏.‏

وأمر الغلمان بطاعة طلابهم ومن امتنع أمر بذبحه ثم سلط الله عليه من تولى إظهاره فذبحه ورجع عن القرمطة‏.‏

 مدينة نزهة

بأرض فارس كثيرة المياه والبساتين قال الاصطخري‏:‏ ان الرجل يسير من كل جانب منها نحو فرسخ في بساتين وقصور‏.‏

بناها أردشير بابك‏.‏

وفي وسط المدينة بناء عال يسمى الطربال‏.‏

والإنسان إذا علا ذلك البناء أشرف على المدينة وعلى رساتيقها وبنى في أعلاها بيت نار‏.‏

وبحذاء المدينة جبل استنبط منه الماء وعلاه إلى رأس الطربال‏.‏

وبها البئر العجيبة التي ليس في شيء من البلاد مثلها وهي على باب المدينة مما يلي شيراز وقد أكبوا على قعرها قدراً من نحاس يخرج من ثقبة ضيقة في ذلك القدر ماء حاد جداً ويصل إلى صفة البئر بنفسه ولا يحتاج إلى استقاء الماء منها‏.‏

وبها الورد الجوري وهو ورد أحمر صافي اللون من أجود أنواع الورد يتمثل بطيب رائحته قال الشاعر‏:‏ أطيب ريحاً من نسيم الصّبا جاءت بريّا الورد من جور وحكى أحمد بن يحيى بن جابر أن جور نزل عليها المسلمون سنين فعجزوا عن فتحها حتى نزل عليها عبد الله بن عامر‏.‏

وكان بعض أجناد المسلمين قام بالليل يصلي وإلى جانبه جراب فيه خبز ولحم فجاء كلب جره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل خفي لها فدخل المسلمون من ذلك المدخل فأصبح أهل جور والمدينة ممتلئة من المسلمين ملكوها قهراً‏.‏مدينة كبيرة بكرمان آهلة كثيرة الخيرات وافرة الثمرات قال الاصطخري‏:‏ بها نخل كثير ولأهلها سنة وهي أنهم لا يرفعون شيئاً من الثمرات التي أسقطتها الريح بل يتركونها للضعفاء فربما كثرت الريح في بعض السنين فيحصل للضعفاء أكثر مما يحصل للملاك‏.‏

 جيزة

ناحية بمصر قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ بها طلسم للرمل وهو صنم والرمل خلفه إلى ناحية المغرب مثل البحر تأتي به الرياح من أرض المغرب فإذا وصل إلى ذلك الصنم لا يتعداه والقرى والرساتيق والمزارع والبساتين بين يدي ذلك الصنم والرمل العظيم خلفه‏.‏

وكان مكان ذلك الرمل مدن وقرى علاها الرمل وغطاها وتظهر رؤوس الأعمدة الرخام والجدر العظام في وسط ذلك الرمل ولا يمكن الوصول إليها قال‏:‏ وكنت أصعد بعض تلال الرمل بالغداة إذا تلبد الرمل بالطل في الليل فرأيت الرمل مثل البحر لا يتبين آخره البتة ورأيت مدينة فرعون يوسف عليه السلام مدينة عظيمة بنيانها وقصورها أعظم وأحكم من مدينة فرعون موسى عليه السلام والرمل قد غطى أكثرها فظهرت رؤوس الأعمدة التي كانت في القصور‏.‏

وهناك سجن يوسف عليه السلام في جوف حائط باب قصر الملك والحائط منحوت من الصخر فصعدت في درج في نفس الحائط كدرجات المنبر من الصخر إلى غرفة في نفس الجدار مشرفة على النيل وسطح تلك الغرفة وسقفها من ألواح الصخر المنحوتة مثل الخشب‏.‏

وفي الغرفة باب يفضي إلى بيت عظيم تحت الغرفة هو سجن يوسف عليه السلام وعلى جدار الغرفة مكتوب‏:‏ ههنا عبر يوسف الرؤيا حيث قال‏:‏ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان‏.‏

 حلب

مدينة عظيمة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة التربة‏.‏

لها سور حصين وقلعة حصينة‏.‏

قال الزجاجي‏:‏ كان الخليل عليه السلام يحلب غنمه بها ويتصدق بلبنها يوم الجمعة فيقول الفقراء‏:‏ حلب فسميت بذلك ولقد خص الله تعالى هذه المدينة ببركة عظيمة من حيث يزرع في أرضها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكرم والمشمش والتفاح والتين عذياً يسقى بماء المطر فياتي غضاً روياً يفوق ما يسقى بالسيح في غيرها من البلاد قال كشاجم‏:‏ أرتك يد الغيث آثارها وأخرجت الأرض أزهارها وما منعت جارها بلدةٌ كما منعت حلبٌ جارها هي الخلد يجمع ما تشتهي فزرها فطوبى لمن زارها والمدينة مسورة بحجر أسود وفي جانب السور قلعة حصينة لأن المدينة في وطاء من الأرض‏.‏

وفي وسطها جبل مدور مهندم والقلعة عليه‏.‏

ولها خندق عظيم وصل حفره إلى الماء وفي وسطه مصانع للماء المعين وجامع وبساتين وميدان ودور كثيرة وفيها مقامان للخليل عليه السلام يزاران إلى الآن‏.‏

وفيها مغارة كان يجمع الخليل فيها غنمه‏.‏

وفي المدينة مدارس ومشاهد وبيع وأهلها سنية وشيعية‏.‏

وبها حجر بظاهر باب اليهود على الطريق ينذر له ويصب عليه الماورد المسلمون واليهود والنصارى يقولون‏:‏ تحته قبر نبي من الأنبياء وفي مدرسة الحلاوى حجر على طرف بركتها كأنه سرير ووسطه منقور قليلاً يعتقد الفرنج فيه اعتقاداً عظيماً وبذلوا فيه أموالاً فلم يجابوا إليه‏.‏

ومن عجائبها سوق الزجاج فإن الإنسان إذا اجتاز بها لا يريد أن يفارقها لكثرة ما يرى فيها من الطرائف العجيبة والآلات اللطيفة تحمل إلى سائر البلاد للتحف والهدايا‏.‏

وكذلك سوق المزوقين ففيها آلات عجيبة مزوقة‏.‏

ولهم لعب كل سنة أول الربيع يسمونه الشلاق وهو انهم يخرجون إلى ظاهر المدينة وهم فرقتان تتقاتلان أشد القتال حتى تنهزم إحدى الفرقتين فيقع فيهم القتل والكسر والجرح والوهي ثم ومن عجائبها بئر في بعض ضياعها إذا شرب منها من عضه الكلب الكلب بريء وهذا مشهور قال بعض أهل هذه القرية‏:‏ شرطه أن العض لم يجاوز أربعين يوماً فإن جاوز أربعين يوماً لم يبرأ‏!‏ وذكر أنه أتاهم ثلاثة أنفس من المكلوبين وشربوا منه فسلم اثنان لم يجاوزا الأربعين ومات الثالث وقد جاوز الأربعين‏.‏

وهذه بئر منها شرب أهل الضيعة‏.‏

وحكى بعضهم أنه ظهر بأرض حلب سنة أربع وعشرين وستمائة تنين عظيم بغلظ منارة وطول مفرط ينساب على الأرض يبلع كل حيوان يجده ويخرج من فمه نار تحرق ما تلقاه من شجر أو نبات واجتاز على بيوت أحرقها والناس يهربون منه يميناً ويساراً حتى انساب قدر اثني عشر فرسخاً فأغاث الله تعالى الخلق منه بسحابة نشأت ونزلت إليه فاحتملته وكان قد لف ذنبه في كلب فيرفع الكلب رفعة والكلب يعوي في الهواء والسحاب يمشي به والناس ينظرون إليه إلى أن غاب عن الأعين قال الحاكي‏:‏ رأيت الموضع الذي انساب فيه كأنه نهر‏.‏

 حمص

مدينة بأرض الشام حصينة أصح بلاد الشام هواء وتربة‏.‏

وهي كثيرة المياه والأشجار ولا يكاد يلدغ بها عقرب أو تنهش حية‏.‏

ولو غسل ثوب بماء حمص لا يقرب عقرب لابسه إلى أن ومن عجائبها الصورة التي على باب المسجد الذي إلى جانب البيعة وهي صورة إنسان نصفها العلى ونصفها الأسفل صورة عقرب‏.‏

يؤخذ الطين الحر ويطبع به على تلك الصورة وتلقى في الماء حتى يشرب الملدوغ فيبرأ في الحال‏.‏

وأهلها موصوفون بالجمال المفرط والبلاهة قال الجاحظ‏:‏ مرت بمص عنز تبعها جمل فقال رجل لآخر‏:‏ هذا الجمل من هذا العنز‏!‏ فقال الآخر‏:‏ كلا إنه يتيم في حجره‏.‏

ومن العجب أنهم كانوا أشد الناس على علي رضي الله عنه فلما انقضت تلك الأيام صاروا من غلاة الشيعة حتى ان في أهلها كثيراً ممن يرى مذهب النصيرية وأصلحهم الامامية السبابة‏.‏

وأما حكومة قاضي حمص فمشهورة‏:‏ ذكر أنه تحاكم إليه رجل وامرأة فقالت المرأة‏:‏ هذا رجل أجنبي مني وقد قبلني فقال القاضي‏:‏ قومي إليه وقبليه كما قبلك‏!‏ فقالت‏:‏ عفوت عنه ‏!‏ فقال لها‏:‏ مري راشدةً‏.‏

وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه مات بها وهو يقول في مرض موته‏:‏ تباً للجبناء‏!‏ ما على بدني قدر شبر إلا وعليه طعنة أو ضربة وها أنا أموت على الفراش موت العير‏!‏ حوران قرية من نواحي دمشق قالوا‏:‏ انها قرية أصحاب الاخدود وبها بيعة عظيمة عامرة حسنة البناء مبنية على عمد الرخام منمقة بالفسيفساء يقال لها النجران ينذر لها المسلمون والنصارى ذكروا أن النذر لها مجرب ولنذره قوم يدورون في البلاد ركاب الخيل ينادون‏:‏ من نذر للنجران المبارك وللسلطان عليها عطية يؤدونها كل عام‏.‏

 الحيرة

بلدة قديمة كانت على ساحل البحر بقرب أرض الكوفة وكان هناك في قديم الزمان بحر‏.‏

والآن ليس بها أثر البحر ولا المدينة بل هي دجلة وآثار طامسة‏.‏

وكانت الحيرة منزل ملوك بني لخم وهم كانوا ملوك العرب في قديم الزمان وإياهم أراد الأسود بن يعفر في قوله‏:‏ ماذا أؤمّل بعد آل محرّقٍ تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسّدير وبارقٍ والقصر ذي الشّرفات من سنداد نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد أرضٌ يخيلها لطيب مقيلها كعب بن مامة وابن أمّ ذواد جرت الرّياح على محلّ ديارهم فكأنّهم كانوا على ميعاد فإذا النّعيم وكلّ ما يلهى به يوماً يصير إلى بلىً ونفاد وبنى النعمان بن امريء القيس بن عمرو بن عدي قصراً بظاهر الحيرة في ستين سنة اسمه الخورنق بناه رجل من الروم يقال له سنمار وكان يبني السنتين والثلاث ويغيب الخمس فيطلب فلا يوجد‏.‏

وكان يبني على وضع عجيب لم يعرف أحد أن يبني مثله‏.‏

ثم إذا وجد يحتج بحجة فلم يزل يفعل هذا ستين سنة‏.‏

فلما فرغ من بنائه كان قصراً عجيباً لم يكن للملوك مثله‏.‏

فرح به النعمان فقال له سنمار‏:‏ اني لأعلم موضع آجرة لو زالت لسقط القصر كله فقال له النعمان‏:‏ هل يعرفها أحد غيرك قال‏:‏ لا‏!‏ فأمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطعت أوصاله فاشتهر ذلك حتى ضرب العرب به المثل فقال الشاعر‏:‏ جزاني جزاه الله شرّ جزائه جزاء سنمّارٍ وما كان ذا ذنب سوى رمّة البنيان ستّين حجّةً يعلى عليه بالقراميد والسّكب فلمّا رأى البنيان تمّ شهوقه وآض كمثل الطّود الشّامخ الصّعب وظنّ سنمّارٌ به كلّ حبوةٍ وفاز لديه بالمودّة والقرب فقال‏:‏ اقذفوا بالعلج من فوق رأسه فهذا لعمر الله من أعجب الخطب فصعد النعمان قلته ونظر إلى البحر تجاهه وإلى البر خلفه والبساتين حوله ورأى الظبي والحوت والنخل فقال لوزيره‏:‏ ما رأيت أحسن من هذا البناء قط‏!‏ فقال له وزيره‏:‏ له عيب عظيم‏!‏ قال‏:‏ وما ذلك قال‏:‏ انه غير باق‏!‏ قال النعمان‏:‏ وما الشيء هو باق قال‏:‏ ملك الآخرة‏!‏ قال‏:‏ فكيف تحصيل ذلك قال‏:‏ بترك الدنيا‏!‏ قال‏:‏ فهل لك أن تساعدني في طلب ذلك فقال‏:‏ نعم‏.‏

فترك الملك وتزهد هو ووزيره والله الموفق‏.‏

 خبيص

مدينة كبيرة بكرمان‏.‏

ذكر ابن الفقيه أن باطنها لم يمطر أبداً وإنما تكون الأمطار حواليها‏.‏

وقال‏:‏ ربما أخرج الرجل يده من السور فيقع المطر عليها ولا يقع على بقية بدنه الداخل في المدينة وهذا عجيب‏!‏ خربة الملك مدينة بمصر على شرق النيل قال أحمد بن واضح‏:‏ ان معدن الزمرذ في هذا الموضع في جميع الأرض وان هناك جبلين يقال لأحدهما العروس وللآخر الخصوم بهما معدن الزمرذ ربما وقعت بهما قطعة تساوي ألف دينار‏.‏

الخليل اسم بلدة بها حصن وعمارة بقرب بيت المقدس‏.‏

فيه قبر الخليل عليه السلام في مغارة تحت الأرض وهناك مشاهد وقوام وفي الموضع ضيافة للزوار وهو موضع طيب نزه آثار البركة ظاهرة عليه حكى السلفي أن رجلاً أتى زيارة الخليل وأهدى لقيم الموضع هدية وسأله أن يمكنه من النزول إلى مغارة الخليل فقال القيم‏:‏ إن أقمت إلى انقطاع الزوار فعلت‏!‏ فأقام فقطع بلاطة وأخذ معه مصباحاً فنزل سبعين درجة إلى مغارة واسعة وبها دكة عليها الخليل وعليه ثوب أخضر والهواء يحرك شيبته وإلى جانبه إسحاق ويعقوب عليهما السلام ثم أتى حائط المغارة يقال‏:‏ إن سارة عليها السلام خلف ذلك الحائط فهم أن ينظر إلى ما وراء الحائط فإذا هو بصوت يقول‏:‏ إياك والحرم‏!‏ فعاد من حيث نزل‏.‏

دارا قرية من قرى دمشق ينسب إليها أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداري‏.‏

كان فريد وقته في الزهد والورع قال‏:‏ نمت ليلة بعد وردي فإذا أنا بحوراء تقول لي‏:‏ تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام وقال‏:‏ كنت ليلة باردة في المحراب فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيناي فإذا قائل يقول‏:‏ يا أبا ليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى مثلها لوضعنا فيها‏!‏ فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان برداً كان أو حراً‏.‏

 دارابجرد

كورة بفارس نفيسة عمرها داراب بن فارس قال الاصطخري‏:‏ بها كهف الموميا وقال ابن الفقيه‏:‏ انه بأرجان وقد مضى ذكرها في أرجان‏.‏

وزاد الاصطخري‏:‏ ان الخالص منه يحمل إلى شيراز ثم يغسل الموضع ويعجن بمائه شيء ويخرج على أنه الموميا فجميع ما ترى في أيدي الناس من المعجون وأما الخالص فلا يوجد إلا في خزانة الملك‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ بناحية دارابجرد جبال من الملح الأبيض والأصفر والأخضر والأحمر والأسود ينحت منها الموائد والصحون والغضائر وغيرها من الظروف وتهدى إلى سائر البلاد‏.‏

وبها معدن الزئبق‏.‏

 دمشق

قصبة بلاد الشام وجنة الأرض لما فيها من النضارة وحسن العمارة ونزاهة الرقعة وسعة البقعة وكثرة المياه والأشجار ورخص الفواكه والثمار‏.‏

قال أبو بكر الخوارزمي‏:‏ جنان الدنيا أربع‏:‏ غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان وجزيرة الأبلة وقد رأيت كلها فأفضلها غوطة دمشق وأهل السير يقولون‏:‏ إن آدم عليه السلام كان ينزل في موضع بها يقال له الآن بيت الأبيات وحواء في بيت لهيا وهابيل في مقرى وقابيل في قنينة‏.‏

وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة كانت القرابين توضع عليها فما قبل نزلت نار أحرقته وما لم يقبل بقي على حاله وقتل قابيل هابيل على جبل قاسيون وهو جبل على باب دمشق‏.‏

وهناك حجر عليه مثل أثر الدم يزعم أهل دمشق انه الحجر الذي رض به قابيل رأس هابيل وعند الحجر مغارة يقال لها مغارة الدم لذلك‏.‏

والمدينة الآن عظيمة حصينة ذات سور وخندق وقهندز والعمارات مشبكة من جميع جوانبها والبساتين محيطة بالعمارات فراسخ وقلما ترى بها داراً أو مسجداً أو رباطاً أو مدرسة أو خاناً إلا وفيها ماء جار‏.‏

ومن عجائبها الجامع وصفه بعض أهل دمشق قال‏:‏ هو أحد العجائب كامل المحاسن جامع الغرائب بسط فرشه بالرخام وألف على أحسن تركيب وانتظام‏.‏

فصوص أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة وهو منزه عن صور الحيوان إلى صور النبات وفنون الأغصان تجنى ثمرتها بالأبصار ولا يعتريها حوائج الأشحار‏.‏

والثمار باقية على طول الزمان مدركة في كل حين وأوان لا يمسها عطش مع فقدان القطر ولا يصيبها ذبول مع تصاريف الدهر‏.‏عمره الوليد بن عبد الملك وكان ذا همة في أمر العمارات وبناء المساجد‏.‏

أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين وحمل عليه الدساتير بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيراً فلم ينظر إليها وأمر بإبعادها وقال‏:‏ هو شيء أخرجناه لله فلا نتبعه‏!‏ قالوا‏:‏ من عجائب الجامع لو أن أحداً عاش مائة سنة وكان يتأمله كل يوم لرأى في كل يوم ما لم يره من حسن الصنعة ومبالغة التنميق‏.‏

وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصناع ستين ألف دينار فضج الناس استعظاماً لما أنفق فيه وقالوا‏:‏ أنفقت أموال المسلمين فيما لا فائدة لهم فيه‏!‏ فقال‏:‏ ان في بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة إن لم يدخل فيه حبة قمح‏!‏ فسكت الناس فلما فرغ أمر بتسقيفها من الرصاص وإلى الآن سقفها من الرصاص ورأيت الصانع يرقمها بالرصاص المذاب‏.‏

قالوا‏:‏ ان طيراً يذرق على الرصاص يحرقه فيحتاج إلى الإصلاح لدفع ماء المطر‏.‏

قال موسى بن حماد‏:‏ رأيت في جامع دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفوراً سورة ألهاكم التكاثر ورأيت جوهرة حمراء نفيسة ملصقة في قاف المقابر فسألت عن ذلك فقالوا‏:‏ ماتت للوليد بنت كانت هذه الجوهرة لها فأمرت أمها أن تدفن هذه الجوهرة معها فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر وحلف لأمها أنه أودعها المقابر‏.‏والمسجد مبني على أعمدة رخام طبقتين‏:‏ التحتانية أعمدة كبار والفوقانية أعمدة صغار في خلال ذلك صور المدن والأشجار بالفسيفساء والذهب والألوان‏.‏

ومن العجب العمودان الحجريان اللذان على باب الجامع وهما في غاية الإفراط طولاً وعرضاً قيل‏:‏ وهما من عمل عاد إذ ليس في وسع أبناء زماننا قطعهما ولا نقلهما ولا إقامتهما وفي الجانب الغربي بالجامع عمودان على الطبقة العليا من الأعمدة الصغار يقولون‏:‏ انهما من الحجر الدهنج وفي جدار الصحن القبلي حجر مدور شبه درقة منقطة بأبيض وأحمر قالوا‏:‏ بذل الفرنج فيه أموالاً فلم يجابوا إليه‏.‏

وللجامع أوقاف كثيرة وديوان عظيم وعليها أرزاق كثير من الناس منهم صناع يعملون القسي والنبال للجامع ويذخرونها ليوم الحاجة ذكروا أن دخل الجامع كل يوم ألف ومائتا دينار يصرف المائتان إلى مصالح الجامع والباقي ينقل إلى خزانة السلطان‏.‏

وأهل دمشق أحسن الناس خلقاً وخلقاً وزياً وأميلهم إلى اللهو واللعب ولهم في كل يوم سبت الاشتغال باللهو واللعب‏.‏

وفي هذا اليوم لا يبقى للسيد على المملوك حجر ولا للوالد على الولد ولا للزوج على الزوجة ولا للأستاذ على التلميذ فإذا كان أول النهار يطلب كل واحد من هؤلاء نفقة يومه فيجتمع المملوك بإخوانه من المماليك والصبي بأترابه من الصبيان والزوجة باخواتها من النساء والرجل أيضاً بأصدقائه فأما أهل التمييز فيمشون إلى البساتين ولهم فيها قصور ومواضع طيبة وأما سائر الناس فإلى الميدان الأخضر وهو محوط فرشه أخضر صيفاً وشتاء من نبت فيه وفيه الماء الجاري‏.‏

والمتعيشون يوم السبت ينقلون إليه دكاكينهم‏.‏

وفيها حلق المشعبذين والمساخرة والمغنين والمصارعين والفصالين‏.‏

والناس مشغولون باللعب واللهو إلى آخر النهار ثم يفيضون منها إلى الجامع ويصلون بها المغرب ويعودون إلى أماكنهم‏.‏

بها جبل ربوة جبل على فرسخ من دمشق قال المفسرون‏:‏ إنها هي المذكورة في قوله تعالى‏:‏ وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين‏.‏

وهو جبل عال عليه مسجد حسن في وسط البساتين ولما أرادوا إجراء ماء بردى وقع هذا الجبل في الوسط فنقبوا تحته وأجروا الماء فيه ويجري على رأسه نهر يزيد وينزل من أعلاه إلى أسفله‏.‏

وفي المسجد الذي على أعلى الماء الجاري‏.‏

وله مناظر إلى البساتين وفي جميع جوانبه الخضرة والأشجار والرياحين‏.‏

ورأيت في المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة حجمه كحجم صندوق مدور وقد انشق بنصفين وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد الشقين عن الآخر بل متصل به كرمان مشقوق ولأهل دمشق في ذلك الحجر أقاويل كثيرة‏.‏

وينسب إليها إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل في الذكاء‏.‏

طلب من رجل حقاً عند القاضي وهو إذ ذاك يتيم فقال له القاضي‏:‏ اسكت إنك صبي‏!‏ فقال‏:‏ إذا سكت من يتكلم عني فقال القاضي‏:‏ والله لا تقول حقاً‏!‏ فقال إياس‏:‏ لا إله إلا الله‏!‏ وحكي أن امرأتين تحاكمتا إليه في كبة غزل فأفرد كل واحدة منهما وسألها‏:‏ على أي شيء كببت غزلك فقالت إحداهما‏:‏ على كسرة خبز‏!‏ وقالت الأخرى‏:‏ على طرقة‏.‏

فنقض الكبة فإذا هي على كسرة خبز‏.‏

فسمع بذلك ابن سيرين فقال‏:‏ ويحه ما أفهمه‏!‏ وحكي انه تحاكم إليه رجلان فقال أحدهما‏:‏ إني دفعت إليه مالاً‏.‏

فجحد الآخر فقال للمدعي‏:‏ أين سلمت هذا المال إليه فقال‏:‏ عند شجرة في الموضع الفلاني‏!‏ فقال المدعى عليه‏:‏ انا ذلك الموضع ما رأيت قط‏.‏

فقال‏:‏ انطلقوا بالمدعي إلى ذلك المكان وابصروا هل فيه شجرة أم لا فلما ذهبوا إليه قال بعد زمان للمدعى عليه‏:‏ ترى وصلوا إلى ذلك المكان قال‏:‏ لا بعد‏!‏ فقال له‏:‏ قم يا عدو الله إنك خائن‏!‏ فقال‏:‏ أقلني أقالك الله‏!‏ واعترف به‏.‏

 دمندان

مدينة كبيرة بكرمان قال ابن الفقيه‏:‏ بها معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والتوتيا والنوشاذر في جبل شاهق يقال له دنباوند‏.‏

وفي هذا الجبل كهف عظيم يسمع من داخله دوي شبه خرير الماء ويرتفع منه شبه دخان ويلتصق بحواليه فإذا كثف وكثر خرج إليه أهل المدينة يقلعونه وهو النوشاذر الجيد الذي يحمل إلى الآفاق وقد وكل السلطان به قوماً حتى إذا جمع كله أخذ السلطان خمسه‏.‏

دمياط مدينة قديمة بين تنيس ومصر مخصوصة بالهواء الطيب وهي من ثغور الإسلام عندها يصب ماء النيل في البحر وعرض النيل هناك نحو مائة ذراع وعليه من جانبيه برجان بينهما سلسلة حديد عليها جرس لا يدخل مركب في البحر ولا يخرج إلا بإذن وعلى سورها مدارس ورباطات كثيرة‏.‏

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لعمر بن الخطاب‏:‏ يا عمر سيفتح على يديك ثغران‏:‏ الإسكندرية ودمياط أما الإسكندرية فخرابها من البربر وأما دمياط فهم صفوة شهداء من رابطها ليلة كان معي في حظيرة القدس‏.‏

وحكى الحسن بن محمد المهلبي قال‏:‏ من طريف أمر دمياط ان الحاكة بها يعملون الثياب الرفيعة وهم قبط من سفلة الناس أكثر أكلهم السمك المملوح والطري فإذا أكلوا عادوا إلى الصنعة من غير غسل الأيدي وينشطون بها ويعملون في غزلها فإذا قطع الثوب لا يشك من يقلبه انه بخر بالند‏!‏ وقال أيضاً‏:‏ من طريف أمر دمياط ان في قبليها على الخريج غرفاً تعرف بالمعامل يستأجرها الحاكة لعمل ثياب الشرب فيها فلا تكاد تنجب إلا بها فإن عمل بها ثوب وبقي منها شبر ونقل إلى غير هذه الغرف علم بذلك السمسار المبتاع للثوب وينقص من ثمنه لاختلاف جوهر الثوب وتبلغ قيمة الثوب الأبيض بدمياط وليس فيه ذهب ثلاثمائة دينار ولا تشارك تنيس في شيء من عملها وبينهما مسيرة نصف نهار‏.‏

ولا يعمل بدمياط مصبوغ ولا بتنيس أبيض وهما حاضرتا البحر‏.‏

وبها أنواع الطير والسمك ذكرناها في تنيس لا نعيدها‏.‏

وبها الفرش القلموني من كل لون‏.‏

وبها سمكة يقال لها الدلفين وهي في خلقة زق زعموا أنها تنجي الغريق وبها سمكة أخرى من أكلها يرى منامات هائلة‏.‏

وحكي أن الفرنج في زمان الملك الكامل اتخذوا مركباً بعلو سور دمياط وشحنوه من الرجال والسلاح وأجروه في البحر إلى أن يصل بسور دمياط فوثبوا من المركب إلى السور وفتحوا دمياط بهذه الحيلة فلما علم الملك الكامل ذلك شق عليه وجاء محاصراً لها فصعب عليه استخلاصها فبنى بجنبها مدينة بالأسواق والحمامات وما زال يحاصرها حتى فتحها وأسر دندرة مدينة على غربي النيل من نواحي الصعيد طيبة ذات مياه وأشجار ونخل وكرم فيها من البرابي كثير والبربا بيت فيه صور لطلسم أو سحر من جملتها بربا فيه مائة وثمانون كوة تدخل الشمس كل يوم من كوة واحدة بعد واحدة حتى تنتهي إلى آخرها ثم تكر إلى الموضع الذي بدأت منه‏.‏

 دورق

بليدة بخوزستان قال مسعر بن مهلهل‏:‏ في أعمالها معادن كثيرة‏.‏

وبها آثار قديمة لقباذ بن دارا‏.‏

وبها صيد كثير ويجتنب بعض مواضعها لا يرعى قالوا انه لطلسم‏.‏

وبها الكبريت الأصفر البحري ولا يوجد هذا الكبريت إلا بها وإن حمل منها إلى غيرها لا يسرج وإذا أتي بالنار من غير دورق أحرقته ونار دورق لا تحرقه وهذا من ظريف الأشياء‏.‏

وبها هوام قتالة لا يبل سليمها‏.‏

منها حية شبرية تسمى ذات الرأسين وهذه الحية توجد بين دورق والباسيان تكون في الرمل فإذا أحست بشيء من الحيوان وثبت أذرعاً ونهشت بإحدى رأسيها وتثقل عليه فيموت الحيوان في ساعته‏.‏جزيرة بين بحر فارس ونهر عسكر مكرم خمسة فراسخ في خمسة فراسخ ترفأ إليها مراكب البحر التي تقدم من ناحية الهند لا طريق لها إلا إليها وبها الجزر والمد في كل يوم مرتين‏.‏

وماؤها عذب فإذا ورد المد عليها يبقى ملحاً كثيراً‏.‏

وفي وسطها قلعة كان في أيام الخلفاء يحمل إليها المنفيون من بغداد فمن كانت جريمته عظيمة يحبس في القلعة ومن كان دون ذلك يرسل في الجزيرة‏.‏

وبها عمارات وبيوت يسكنها قوم من النوتية الذين يعملون في البحر‏.‏

وبها مد وجزر آخر بحسب زيادة نور القمر ونقصانه فيزداد كل يوم إلى منتصف الشهر ثم ينقص كل يوم إلى آخر الشهر‏.‏

ورأيت بها شاباً أسمر نحيفاً كانوا يقولون انه يصطاد الظبي وحكى بعضهم ان ذئباً قد أكل شاة لهذا الرجل بدورقستان فقام يعدو خلفه والذئب لا يقدر على الخروج من الجزيرة فلم يزل يسعى خلفه حتى أدركه‏.‏

دير أبي هور ذكر الشابستي انه بسرياقوس من أعمال مصر وهي بيعة عامرة كثيرة الرهبان‏.‏

وفيها أعجوبة وهي ان من يكون به خنازير يقصد هذا الموضع للتعالج فيضجعه رئيس الموضع ويجيء بخنزير يرسله إلى موضع العلة فيأكل الخنزير الغدة ولا يتعدى إلى الموضع الصحيح‏.‏

فإذا تنظف الموضع ذر عليه شيئاً من رماد خنزير فعل هذا الفعل من قبل ودهنه بزيت قنديل البيعة فيبرأ‏.‏

ثم يذبح ذلك الخنزير ويحرق ويعد رماده لمثل هذا العلاج‏.‏

 دير أتريب

بأرض مصر يعرف بمارت مريم عليها السلام‏.‏

له عيد وانه في الخامس عشر من آب والحادي والعشرين من بؤونه من أشهر القبط‏.‏

يذكرون أن حمامة بيضاء تأتيهم ولا يرونها إلا يوم مثله تدخل المذبح ولا يدرون من أين جاءت‏.‏

 دير أيوب

قرية من نواحي دمشق‏.‏

بها كان منزل أيوب عليه السلام وبها ابتلاه الله‏.‏

وبها العين التي ظهرت من ركضه حين أمره الله تعالى به عند انتهاء ابتلائه فقال عز وعلا‏:‏ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب والصخرة التي كانت عليها وبها قبره عليه السلام‏.‏

دير سمعان دير بناحية دمشق في موضع نزه محدقة بالبساتين والدور والقصور وكان بها حبيس مشهور منقطع عن الخلق جداً وكان يخرج رأسه من كوة في كل سنة يوماً معلوماً فكل من وقع عليه بصره من المرضى والزمنى عوفي‏.‏

فسمع به إبراهيم بن أدهم فذهب إليه حتى يشاهد ذلك قال‏:‏ رأيت عند الدير خلقاً كثيراً من الواقفين حذاء تلك الكوة يترقبون خروج رأس الحبيس فلما كان ذلك اليوم أخرج رأسه ونظر إليهم يميناً وشمالاً فكل من وقع نظره عليه قام سليماً معافى ثم رجع إلى مكانه‏!‏ قال‏:‏ فتعجبت من ذلك وبقيت متفكراً فيه ثم مضيت ودعوته فأجابني وسألته عن حاله فأعطاني سبع حمصات وقال‏:‏ هذه تطلب منك لا تبعها إلا بثمن بالغ ‏!‏ قال‏:‏ فانصرفت عنه فاشتهر بين النصارى أن الحبيس أعطى لهذا الحنيفي شيئاً فاجتمعوا علي وقالوا‏:‏ ماذا تصنع بهذه الحمصات بعها منا‏!‏ فما زالوا يزيدون في ثمنها حتى بلغ سبعمائة دينار فبعتها ثم انصرفت وعبوري على دير سمعان فأخرج الحبيس رأسه وقال‏:‏ أيها الحنيفي قد بعت الحمصات بسبعمائة دينار ولو طلبت سبعة آلاف لأعطوك وكل حمصة لي قوت يوم فانظر من يكون قيمة قوته كل يوم ألف دينار كم تكون قيمته ثم أدخل رأسه‏.‏

 دير طور سينا

على قلة طور سينا وهو الجبل الذي تجلى فيه النور لموسى عليه السلام وخر موسى صعقاً هناك‏.‏

والدير مبني بالحجر الأسود وفي غربيه باب لطيف قدامه حجر إذا أرادوا رفعه رفعوه وإذا قصدهم قاصد أرسلوه فانطبق على الموضع ولم يعرف مكان الباب وفي داخلها عين ماء‏.‏

وزعم النصارى أن بها ناراً من النار التي كانت ببيت المقدس وهي نار بيضاء ضعيفة الحر لا تحرق وتقوى إذا أوقد منها السرج وهو عامر بالرهبان والناس يقصدونه قال فيه ابن عاصم‏:‏ يا راهب الدّير ماذا الضّوء والنّور وقد أضاء بما في ديرك الطّور هل حلّت الشّمس فيه دون أبرجها أم غيّب البدر عنه فهو مستور دير الطير بأرض مصر على شاطيء النيل بقرب الجبل المعروف بجبل الكهف‏.‏

وفي هذا الجبل شق فإذا كان يوم عيد هذا الدير يأتي صنف من الطير يقال له بوقير لم يبق منها واحد إلا جاء ذلك الشق ويشتد عنده صياحها‏.‏

ولا يزال الواحد بعد الواحد يجعل رأسه في ذلك الشق ويصيح إلى أن يتشبث رأس أحدها بالشق فيضطرب حتى يموت وعند ذلك تنصرف البقية إلى السنة القابلة ولا يبقى هناك منها طائر هكذا ذكر الشابشتي وهذا دليل الخصب في تلك السنة وربما تشبث على طيرين فيكون الخصب بالغاً جداً‏.‏

 دير نهيا

بالجيزة من أرض مصر‏.‏

من أحسن الديارات وأنزهها وأطيبها موضعاً وأجلها موقعاً عامر بالرهبان وله في النيل منظر عجيب لأن الماء محيط به من جميع جهاته‏.‏

فإذا انصرف الماء وزرعت أظهرت أنواع الأزهار وأصناف الأنوار فتشبه الديباج المنقش لا يريد الإنسان ان يفارقها وله خليج تجتمع فيه الطيور فهو متصيد أيضاً ولابن البصري فيه‏:‏ أيا دير نهيا إن ذكرت فإنّني أسعى إليك على الخيول السّبّق أوما ترى وجه الرّبيع وقد زهت أنواره بنهاره المتألّق وتجاوبت أطياره وتبسّمت أشجاره من ثغر زهرٍ مؤنق والبدر في وسط السّماء كأنّه وجهٌ مضيءٌ في قناعٍ أزرق وإذا سئلت عن الطّيور وصيدها وجنوسها فاصدق وإن لم تصدق فالغرّ فالكروان فالفارور إذ يشجيك في طيرانه المتحلّق الرصافة مدينة في البرية بقرب الرقة‏.‏

رأيتها لها سور محكم من الحجر المنحوت‏.‏

أحدثها هشام بن عبد الملك لما وقع الطاعون بأرض الشام‏.‏

ليس بها نهر ولا عين وآبارهم بعيدة العمق رشاؤها مائة وعشرون ذراعاً وهي ملح‏.‏

وشربهم من الصهاريج داخل المدينة وقد تفرغ الصهاريج في أثناء الصيف فيأخذون الماء من الفرات وبينهما أربعة فراسخ‏.‏

ولبني خفاجة عليهم مال يؤدونه صاغرين‏.‏

وصنعة أهلها عمل الأكسية والجوالق والمخالي منها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏

وكان هشام بن عبد الملك يفزع إليها من البق في شاطيء الفرات‏.‏

ومن عجيب هذه البلدة أن ليس بها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا أمن ولا تجارة ولا صنعة مرغوبة‏!‏ وأهلها يسكنونها ولولا حب الوطن لخربت‏.‏